ما هي عجائب الدنيا السبع الجديدة؟
في العالم الحديث، أٌعيد النظر في عجائب الدنيا السبع لتشمل مجموعة جديدة من الهياكل المذهلة التي تعكس تاريخ وثقافات متنوعة حول العالم. تم اختيار هذه العجائب السبع الجديدة من قائمة تاريخية ضخمة تشمل منشآت ومعالم بارزة تتصدر سجلات الإبداع الإنساني والإنجاز الهندسي. عملية الاختيار تمت عبر تصويت عالمي نظمته منظمة غير ربحية تُعنى بتوثيق العجائب التاريخية والمعمارية، مستهدفة إشراك الناس من مختلف أنحاء العالم في تحديد هذه الرموز الثقافية.
هذه العجائب السبع الجديدة قد نُقشت بحروف من ذهب على جبين البشرية، ليس فقط لجمالها الهندسي، وإنما أيضًا لقيمتها الثقافية والتاريخية. فهي تجسد التنوع الثقافي والهندسي وتبرهن على قدرة الإنسان على الإبداع والبناء في مختلف الظروف. في هذا المقال، نستعرض هذه العجائب، نبحث في تفاصيلها وما يجعلها فريدة من نوعها، ونتأمل في الدور الذي تلعبه في إلهام ملايين البشر حول العالم.
من الكولوسيوم في روما الذي يشهد على روعة العمارة الرومانية، إلى هرم تشيتشن إيتزا الذي يجسد عبقرية حضارة المايا، تُشكل هذه العجائب مجمعًا فريدًا يربط العصور القديمة بالحاضر. تُظهر هذه العوامل كيف يمكن للتاريخ والتراث الإنساني أن يجتمعان ليخلقا مجموعة متجانسة تُثير الإعجاب والإلهام بمرور الزمان.
سور الصين العظيم
يعد سور الصين العظيم من أعظم الإنجازات الهندسية في التاريخ، ليس فقط لطوله الهائل الذي يمتد لأكثر من 13,000 ميل، بل لتاريخه الغني والمعقد. بني السور في البداية من قبل الإمبراطور الأول من سلالة تشين (حوالي 221 قبل الميلاد) بهدف حماية إمبراطوريته من تهديدات القبائل البدوية من الشمال. ومع مرور الوقت، أعيد بناء السور عدة مرات وتحسنت تقنياته الهندسية، لاسيما في عهد سلالة مينغ (1368-1644 بعد الميلاد) التي كانت أخر السلالات الحاكمة التي قامت بتوسيعه وتعزيزه بالشكل الذي نراه اليوم.
لا يعد سور الصين العظيم مجرد هيكل دفاعي، بل رمز للقوة والصمود. خلال القرون، أصبح السور رمزًا للأمل والفخر الوطني في الصين، ويمثل تغلب الصين على التحديات الجغرافية والاجتماعية لبناء ما يأمل أن يكون حصناً ضد العدوان الخارجي. ومع أنه لم يعد يحمل وظيفة عسكرية في الوقت الحالي، إلا أن الأهمية الثقافية والتاريخية التي يحملها ما زالت تحظى بتقديرٍ عظيم في الصين وخارجها.
بالإضافة إلى دوره كتحفة هندسية عتيقة، أثر سور الصين العظيم على العديد من الثقافات المختلفة. على مر السنين، أصبح هذا الصرح وجهة سياحية رئيسية تجذب زوارًا من كافة أنحاء العالم، مما أدى إلى تبادل ثقافي غني بين الصين والدول الأخرى. كما أن السور ألهم العديد من الفنون والأدب في مختلف الثقافات، مُظهرًا العلاقة الوثيقة بين التاريخ والجغرافيا والهوية الوطنية.
البتراء، الأردن
مدينة البتراء، الواقعة في جنوب الأردن وتحديداً في وادي موسى، تُعد من أهم وأبرز المعالم الأثرية في منطقة الشرق الأوسط. يُطلق عليها أيضاً اسم “المدينة الوردية” نسبةً إلى لون الصخور الوردية التي نُحتت منها الهياكل والأبنية. كانت البتراء عاصمة مملكة الأنباط، وهي حضارة ازدهرت في الفترة من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي.
البتراء ليست مجرد موقع أثري بل هي تحفة هندسية متكاملة، حيث اشتهرت بعمارتها المنحوتة في الصخور وأنظمتها المعقدة للأنفاق والمياه. تميزت البتراء بقدرتها على مواجهة تحديات الطبيعة، من خلال تطوير نظاماً هيدروليكياً كان يمكنه تجميع وتخزين المياه لتلبية احتياجات المدينة وسكانها.
من أبرز معالم مدينة البتراء هو بناء الخزنة الشهير، الذي يُعد واحداً من أجمل وأشهر معالم المدينة وهو واجهة ضخمة منحوتة في الصخر تعكس براعة الهندسة النبطية. الخزنة تمتاز بعمرانها الفخم والنقوش الدقيقة التي تزين واجهتها، وتجسد مزيجاً من التأثيرات الثقافية التي تأثرت بها الأنباط من الحضارات المجاورة مثل الرومانيين والإغريق.
لا يُمكن الحديث عن البتراء دون الإشارة إلى الدير، الذي يُعد من أكبر معالم المدينة. يُعتبر الدير أحد أبرز معجزات الهندسة النبطية ويتميز بواجهته الشاهقة والكبيرة التي تُعرض على قمة جبل مرتفع. يعتبر الدير موقعاً هاماً للحجاج والرهبان في العصور القديمة، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم كموقع تذكاري مهم للسياح والزوار.
تُعد البتراء اليوم واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، وهي وجهة سياحية رئيسية تستقبل ملايين الزوار سنوياً. هذه المدينة الرائعة تُعد شاهداً حياً على عبقرية الحضارة النبطية ومهارتها الهندسية، مما يجعل من زيارتها تجربة لا تُنسى لمحبي التاريخ والثقافة.
تمثال المسيح الفادي، البرازيل
يقف تمثال المسيح الفادي شامخًا على قمة جبل كوركوفادو في ريو دي جانيرو، بارتفاع يبلغ 30 مترًا، مما يجعله أحد أشهر المعالم السياحية في العالم. يعتبر التمثال رمزًا قويًا للسلام والإيمان، ويجسد الحب الذي تحمله البرازيل للسلام والازدهار.
تم بناء التمثال باستخدام الخرسانة المسلحة المغطاة بفسيفساء من الحجر الصابوني، مما يجعله مقاومًا لعوامل الطقس المختلفة وللزمن. بُدء في عملية بنائه عام 1922 واكتمل بعد تسع سنوات في 1931. يعد هذا المشروع الهندسي الرائع نتاج التعاون بين المهندس البرازيلي هيكتور دا سيلفا كوستا والنحات الفرنسي-البولندي بول لاندوفسكي. رحلة تشييد تمثال المسيح الفادي كانت مليئة بالتحديات الفنية والهندسية، حيث تطلب نقل المواد إلى قمة الجبل اهتمامًا دقيقًا بالتفاصيل وخبرة كبيرة.
لا يقتصر تأثير التمثال على الهندسة أو المعمار فقط؛ بل يمتد عميقًا إلى الثقافية، والاجتماعية. يُعتبر المسيح الفادي رمزًا دينيًا للبرازيل، ويجذب آلاف الزوار كل عام من مختلف أنحاء العالم. هذا التوافد السياحي يعزز الاقتصاد المحلي ويساهم في نشر ثقافة السلام والتسامح التي يمثلها التمثال. كما أن التمثال يعكس التأثير الديني العميق في المجتمع البرازيل، حيث يُعتبر المسيحية دين الدولة الرسمى، وتُقام العديد من الفعاليات الدينية في ظلاله.
تأثير التمثال الثقافي لا يقتصر على البرازيل فقط، بل يمتد إلى الساحة الدولية. الصور الشهيرة للتمثال المُطل على مدينة ريو دي جانيرو أصبحت رمزًا عالميًا يُعرف به مهرجانات كرة القدم الشهيرة والكرنفالات. كرمز عالمي، يعزز تمثال المسيح الفادي الفهم المتبادل والسلام بين مختلف الثقافات والشعوب.
ماتشو بيتشو، بيرو
تقع مدينة ماتشو بيتشو القديمة على جبال الأنديز في بيرو، وهي واحدة من أكثر المواقع الأثرية غموضًا وإثارة للإعجاب في العالم. تعتبر ماتشو بيتشو إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، وتقدم لمحة عن براعة الإنكا في الهندسة المعمارية والري. بنى الإمبراطور باتشاكوتي هذه المدينة في القرن الخامس عشر، وقد تم اكتشافها في عام 1911 من قِبل الباحث الأمريكي هيرام بينغهام.
تعتبر ماتشو بيتشو تحفة معمارية، حيث تتميز بأبنيتها الحجرية التي تم تركيبها بدقة دون استخدام أي مواد لاصقة. من بين أبرز معالمها الهياكل الدينية مثل معبد الشمس ومنطقة الاحتفالات المسماة بـ “إنتيهواتانا”، التي كانت تستخدم لتحديد الانقلاب الشتوي. الأهمية الدينية والثقافية لماتشو بيتشو جعلتها محط اهتمام الباحثين وعشاق التاريخ على حد سواء.
إلى جانب عمارتها الفريدة، لعبت ماتشو بيتشو دورًا كبيرًا في حضارة الإنكا كمركز ثقافي وإداري. فقد كانت تضم أطلالًا كبيرة من الصخور المنحوتة والسلالم والطرق المعبدة التي تربط بين مختلف أجزاء المدينة. هذا البروز في مجال الهندسة وفن البناء ساهم في تسليط الضوء على قدرات الإنكا ومهاراتهم الفائقة.
الاكتشافات الأثرية الحديثة في ماتشو بيتشو ألقت الضوء على تفاصيل جديدة عن حياة سكانها وطرق معيشتهم. أثار هذا المزيد من الاهتمام لدى المؤرخين وعلماء الآثار الذين يسعون للكشف عن الجوانب المخفية لحضارة الإنكا. تم العثور على أدوات زراعية، ومخازن حبوب، وبقايا بشرية، ما يشير إلى مستوى التنظيم الاجتماعي والاقتصادي المتقدم لتلك الفترة.
تظل ماتشو بيتشو رمزًا للعظمة الإنكانية وتقدمها، حيث يستمر تدفق السياح والباحثين للاستمتاع بجمالها واستكشاف أسرارها. تساهم هذه الزيارات في تعزيز الفهم العام لأهمية تلك الحضارة التي نجحت في بناء مدينة قوية ومترابطة على قمة الجبال الشاهقة.
تشيتشن إيتزا، المكسيك
تقع مدينة تشيتشن إيتزا الأثرية في شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية، وتعد واحدة من أهم المدن في حضارة المايا. تأسست المدينة حوالي 600 ميلادي وازدهرت كمركز سياسي واقتصادي وثقافي للمايا لعدة قرون. يشتهر الموقع بالأهرامات والمعابد والملاعب الطقسية التي تعكس العمق الثقافي والديني لهذه الحضارة.
من أبرز الهياكل في تشيتشن إيتزا هو هرم كوكولكان المعروف باسم إل كاستيلو، وهو واحد من أعظم الأهرامات في العالم. يبلغ ارتفاعه حوالي 30 مترًا ويتكون من أربع جوانب تحتوي على 91 درجة تؤدي إلى قمة المعبد، وكل جانب منها يرمز إلى الموسم الفلكي. يعتبر الهرم تجسيدًا هندسيًا للفلك وتقويم المايا، حيث صمم ليكون متوافقًا مع الاعتدالات الشمسية والظواهر الكونية.
الهياكل الأخرى التي تبرز في تشيتشن إيتزا تشمل المرصد المعروف بـكاريكول، والذي استخدمته المايا في دراساتهم الفلكية. يتميز المرصد بتصميمه الدائري والنوافذ التي تسمح بمراقبة الأحداث السماوية، مما يعكس الفهم العميق للمايا للنجوم والكواكب ولحركة الشمس والقمر.
كما لا يمكن تجاهل الملاعب الطقسية في تشيتشن إيتزا، حيث كان سكان المايا يلعبون لعبة كرة محلية تمثل جزءًا أساسيًا من طقوسهم الدينية والاجتماعية. كانت اللعبة تستخدم كوسيلة لحل المشاكل والنزاعات، وكذلك لطرد الأرواح الشريرة وضمان الخصوبة والأمطار الجيدة.
تعتبر تشيتشن إيتزا مثالًا حيًا على براعة المايا في الهندسة والرياضيات والفلك، وهي تمثل شهادة حية على ثقافة غنية ومعقدة. تتنوع الهياكل الموجودة في الموقع بين الأهرامات والمعابد والمرصد، كل منها له دوره الخاص في الفلك والدين والرياضة. تشيتشن إيتزا ليست فقط موقعًا أثريًا هامًا، بل هي أيضًا رمز لتراث إنساني عميق وقصة حضارة قديمة أثرت بشكل كبير على تاريخ المنطقة والعالم.
الكولوسيوم، إيطاليا
يعد الكولوسيوم أو المدرج الفلافيو رمزًا للإمبراطورية الرومانية وعظمتها التي ظلت ملهمة للأجيال عبر قرون. بني هذا المدرج العملاق في قلب روما بين عامي 70 و80 ميلادية في عهد الإمبراطور فلافيوس فسبازيان، واكتمل في عهد ابنه تيتوس. يتسع الكولوسيوم لأكثر من 50,000 مشاهد، وكان يستخدم لمجموعة متنوعة من الألعاب والعروض القتالية التي كانت تجذب الجماهير من جميع أنحاء الإمبراطورية.
كانت أبرز الأنشطة التي جرت داخل الكولوسيوم هي المعارك بين المصارعين، والتي ارتبطت بالعنف والتحديات الجسدية الكبرى. لم تكن تلك المباريات مخصصة للترفيه فقط، بل كانت أيضًا وسيلة لتأكيد قوة الإمبراطور بين شعبه وفرض سيطرته على المجتمع. إلى جانب المصارعة، كانت هناك فعاليات أخرى تشمل مطاردات الحيوانات البرية ومشاهد تمثيلية تعتمد على الأساطير الرومانية واليونانية.
من الناحية الهندسية، يعكس الكولوسيوم براعة الهندسة الرومانية واستخدامها للتقنيات المتقدمة في البناء. يتألف المبنى من أربعة طوابق ومجموعة من الأقواس، مما يضمن توزيع الضغط وتحقيق الاستقرار الهيكلي. كما يتميز بوجود ممرات تحت الأرض، استخدمت لإيواء المصارعين والحيوانات أثناء الاستعداد للعروض.
في العصر الحديث، لم يفقد الكولوسيوم أهميته الثقافية والسياحية. يجذب الموقع ملايين الزوار سنويًا، حيث يعتبر أحد أهم المعالم الأثرية في العالم، ويشهد على تاريخ روما الغني وتراثها العريق. كما يشكل الموقع جزءًا من قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة، وهو ما يساهم في الحفاظ على قيمته التاريخية ويعزز أهمية توثيقه وترميمه للحفاظ عليه للأجيال القادمة.
تاج محل، الهند
تاج محل أحد أجمل المباني في العالم، وهو رمز للحب الخالد الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان تخليدًا لذكرى زوجته الحبيبة ممتاز محل. يُعد هذا المعلم المذهل أحد عجائب الدنيا السبع الجديدة، ويمثل جوهرة معمارية فريدة تمثل فن العمارة المغولية في أبهى صوره. المشهد الذي يقدمه تاج محل بواجهته الرخامية البيضاء وتفاصيله الدقيقة يفترش الأفق بجمالية أثيرية باهرة تخطف الأنظار.
بُني تاج محل بين عامي 1632 و1653 على ضفاف نهر يامونا في مدينة أغرا. تحكي المصادر التاريخية أن شاه جهان أراد أن يخلد ذكرى محبوبته بطريقة لم يشهدها العالم من قبل. وقد تطلب بماركات البناء عملاً شاقًا من آلاف العمال وخصصت له موارد ضخمة. صُمم المبنى واستُلهمت تفاصيله من اشهر المعماريين والفنانين في ذلك العصر، مما أفضى إلى تشكيل تحفة معمارية اكملت ببراعة العناصر المزخرفة والنقوش المعقدة التي تزين الجدران والأرضيات.
يشتهر تاج محل بقبة رئيسية ضخمة تعلوها قمعة ذهبية، ومعارض جانبية ذات انسجام دقيق يعكس توازن البنيان المغولي. هو ليس مجرد قبر، بل يحتوي أيضًا على مسجد وحديقة شاسعة تتبع تخطيطًا متناظرًا يعتمد على التخطيط الهندسي الإسلامي. زاد تأثير العمارة الفارسية والهندية من روعة التصميم العام للمبنى.
على مر العصور، بات تاج محل رمزًا للحب والأسى، واستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم. لا تقتصر بصمته الثقافية والفنية على الهند فحسب؛ بل تعد واحدًا من أكثر المعالم السياحية شهرة على الصعيد العالمي، مما يساهم في دعم قطاع السياحة الهندي وتعزيز مكانة الهند الثقافية دوليًا. يصنّفه العديد من الناس كمثال رائع للإبداع والابتكار في التصميم الهندسي والمعماري.